ورقة توضيحية - العفو الجبائي أو سياسة الهروب من المسؤولية
تونس في 7 ديسمبر 2018
ورقة توضيحية
"العفو الجبائي أو سياسة الهروب من المسؤولية"
I / الملخص :
تهدف هذه الورقة إلى تحليل أثر إجراء العفو الجبائي لفائدة المواطنين المطالبين بالأداء بعنوان المعلوم على العقارات المبنية لسنة 2016 المقترح في الفصل 68 من مشروع قانون المالية لسنة 2019 لبيان انعكاساته السلبية على هياكل الدولة عامة وعلى المرفق البلدي والمتساكنين خاصة. كما تضمنت مجموعة من التوصيات كفيلة بتنمية الموارد المالية للبلديات وترسيخ مبدأ العدالة الجبائية وتقوية قدرات الدولة على الرقابة و الاستخلاص.
II/ التحليل :
تقدمت الحكومة في الفصل 68 من مشروع قانون المالية لسنة 2019 بمقترح عفو جبائي لفائدة المطالبين بالأداء بعنوان المعلوم على العقارات المبنية لسنة 2016 وماقبلها وخطايا التأخير المتعلقة بها وبسنوات 2017 و2018. يهدف هذا الإجراء وفق نص شرح الأسباب المصاحب له، أولا إلى تنمية الموارد المالية للبلديات وثانيا إلى إرساء مناخ جديد من الثقة بين المتساكنين والمجالس البلدية المنتخبة.
يأتي هذا الإجراء في سياق تواترت فيه إجراءات العفو الجبائي على اختلاف الفئات المنتفعة به، على غرار سنوات 1987، 1992، 2006، 2012، 2015 مما يضعنا أمام حتمية التساؤل عن مدى نجاعة هذه السياسة في ظل غياب لأي تقييم يثبت نجاعة التجارب السابقة والمتواترة في حل مشكل ضعف الموارد الجبائية وفاعلية الآليات التي تضعها هياكل الدولة لضمان استخلاصها، كما تدفعنا إلى الوقوف على أثرها على مبدأ العدالة الجبائية وعلى انخراط المتساكنين في أداء الواجب الضريبي وحلّ معضلة التهرب والغش الجبائيين.
- العفو الجبائي : حرمان البلديات من مواردها و تنصل الدولة من مسؤوليتها
في سياق تنزيل اللامركزية بالمصادقة على مجلة الجماعات المحلية، خصص الفصل 154 من المجلة لتناول مسألة الديون الجبائية المثقّلة، إذ نصّ الفصل المذكور على أن الدولة "تلتزم بتحويل تسبقة تقدر بنصف مبلغ الديون الجبائية المثقّلة لفائدة الجماعة المحلية والتي مر على أجل تثقيلها سنة كاملة دون تسجيل اعتراض في شأنها لدى القاضي المختص ولم يتم استخلاصها".
في هذا الإطار، فإن التنصيص في قانون المالية لسنة 2019 على العفو الجبائي المقترح سينتج عنه إلغاء التحويلات المالية الواجب على الدولة توفيرها حسب الفصل 154 من مجلة الجماعات المحلية. فحتى وإن سلمنا بنجاعة العفو الجبائي في توفير موارد جبائية إضافية للبلديات، فإن هذه العائدات لن تبلغ قيمة التسبقة التي تلتزم السلطة المركزية بتوفيرها للبلديات، والتي تقدر بـ 50 في المائة من التثقيلات التي مر عليها سنة ولم يتم استخلاصها من قبل المحاسب العمومي للبلدية.
يتبين في هذا السياق سعي الحكومة من خلال مقترح الإعفاء، إلى التنصل من مسؤوليتها في توفير المبالغ المذكورة للبلديات، متسببة بذلك في حرمان البلديات من مبالغ ضخمة تقدر بنسبة 82 في المائة من إجمالي مبالغ الاستخلاصات والتثقيلات، باعتبار أن نسبة الاستخلاص الرسمية حسب وزارة الشؤون المحلية والبيئة لم تتجاوز 18 في المائة لسنة 2018.
ولا يخفى أن التجارب السابقة في إجراءات العفو الجبائي في تونس عموما قد أظهرت محدوديتها في توفير موارد جبائية إضافية هامة، ولعل أبرز مثال على ذلك، نتيجة العفو الجبائي على عدد من الضرائب لسنة 2012 الذي لم يوفر سوى 80 مليون دينار وفق تصريح رسمي لرئيس لجنة التخطيط المالي والتنمية في المجلس الوطني التأسيسي، ماتم اعباره آنذاك مخيبا للآمال.
2. العفو الجبائي : تعزيز لمناخ انعدام الثقة وتأكيد على ضعف قدرة الدولة على الاستخلاص
ارتكزت الحكومة في تفصيل شرح الأسباب المصاحب للفصل 68 من مشروع قانون المالية، على حجة تعزيز مناخ الثقة بين المواطنين والمجالس البلدية المنتخبة بتفعيل العفو الجبائي، إلا أن هذا الإجراء المعزول، وفي ظل غياب اجراءات مصاحبة لتعزيز أجهزة الرقابة والاستخلاص، سيبرهن بصفة معلنة على عجز الدولة عن استخلاص الضريبة ومقاومة التهرب والغش الجبائيين، في تناقض تام مع الفقرة الثانية من الفصل 10 من الدستور الذي يفرض على الدولة أن "تضع الآليات الكفيلة بضمان استخلاص الضريبة، ومقاومة التهرّب والغش الجبائييْن" .
كل هذا من شأنه أن يعمق أزمة الثقة بين المواطنين والدولة بإظهار عجزها عن ضمان استخلاص الضرائب مما سيفاقم حتما معضلة ضعف الاستخلاص أكثر فأكثر.
3. العفو الجبائي : إجراء لا دستوري، يشجع المتهربين و يعاقب النزهاء
نظرا لما يمثله أداء الواجب الضريبي من دعامة اساسية للديمقراطية والمواطنة، تم التأكيد على قيم العدل والإنصاف الجبائيين في نظام أداء الضريبة في الفصل 10 من دستور 2014، وتحميل الدولة كافة المسؤولية في وضع الآليات اللازمة لاستخلاصها ومقاومة الغش الضريبي. إن إجراء العفو الجبائي المذكور بالإضافة إلى تعارضه مع مقتضيات الدستور ومع مبدأ العدالة الجبائية، فإنّ من شأنه أيضا إظهار التهرب والغش الجبائيين كسلوكات متسامح معها، مساوية بذلك بين دافعي الضرائب النزهاء وبين المتهربين، مما يخلف حتما مناخا يغيب فيه الإنصاف الجبائي المنشود ليحل محله الشعور بالظلم والحيف ضد الفئة الملتزمة بواجبها الضريبي. من جانب آخر، سيعزز هذا الإجراء ثقافة العزوف عن الأداء الجبائي خاصة مع ارتباطه مباشرة بالإنتخابات البلدية، وما قد يخلفه في أذهان المواطنين من استباق خطير لعفو جبائي يقترن بكل موعد انتخابي بلدي.
بالتالي، فإن المقادير المالية المرجو توفيرها من سن العفو الجبائي على المدى القريب لن تسدّ الهوة التي سيخلفها تقلص الموارد البلدية الناجم عن زيادة نسبة التهرب والغش الضريبيين على المدى المتوسط والبعيد.
4. العفو الجبائي: تغييب للسلطة المحلية في المبادرات التشريعية
مع انتهاء تنصيب المجالس البلدية المنتخبة مع أول انتخابات بلدية ديمقراطية في ماي 2018 ومع شروعها في أداء مهامها تفعيلا للامركزية وتطبيقا لمقتضيات الباب السابع من الدستور "باب السلطة المحلية" ، وجب في مثل هذه المسائل اللصيقة بالشأن المحلي اعتماد مقاربة تشاركية مع الهياكل البلدية المنتخبة. بالتالي فإن عدم استشارة المجالس البلدية المنتخبة حول مقترح العفو بأي شكل من الأشكال، فيه مساس بمبادئ التدبير الحر واستقلاليتها المالية والإدارية.
III / التوصيات :
كما تبيّن في هذه الورقة التوضيحية، فإن مقترح العفو الجبائي على المعلوم على العقارات المبنية موضوع الحال لا يمثل بأي حال من الأحوال حلاّ لتنمية الموارد المالية للبلديات أو لإرساء مناخ من الثقة بين المواطنين والمجالس البلدية المنتخبة، بل هو هروب من مواجهة المشاكل الحقيقية المرتبطة بضعف قدرة الدولة الاستخلاص ونقص آليات الرقابة الجبائية الناجعة.
بالتالي، فعوض اللجوء إلى الحلول الترقيعية السهلة مثل إجراء العفو الجبائي، تدعو منظمة البوصلة إلى مراجعة شاملة لكامل المنظومة الجبائية المحلية وذلك عبر :
- سحب مقترح العفو الجبائي من مشروع قانون المالية لسنة 2019.
- احترام الدولة لالتزامها تجاه البلديات بتمكينها من التسبقة المنصوص عليها بالفصل 154 من مجلة الجماعات المحلية والتي تسعى إلى التنصل منه عبر إقرار العفو الجبائي.
- التسريع في مراجعة النظام الجبائي بغاية تطبيق مبدئي العدل والإنصاف الجبائيين والاستجابة لاحتياجات الجماعات المحلية وصلاحياتها الجديدة في إطار لامركزية فعلية .
- تقوية قدرات أجهزة الاستخلاص والرقابة الجبائية عبر تعزيز مواردها البشرية والمادية وتطوير منظوماتها المعلوماتية.
- التشريك الفعلي والجدّي للمجالس البلدية المنتخبة في كل مايتعلق بالشأن المحلي في انتظار تركيز المجلس الأعلى للجماعات المحلية.